محمد شركي / وجدة البوابة : وجدة 30 أكتوبر 2011، منذ أن وجد اﻹنسان على سطح هذا الكوكب ، وهو يعاني من ظاهرة استئصال غيرهلفائدة ذاته . وهذه آفة سببها الخوف على هذه الذات ،وعلى الكيان، وعلى المصالح.وليس من الغريب أن تكون ممارسة اﻻستئصال قد بدأت مع نسل آدم عليه السﻼماﻷول ، حين استأصل قابيل أخاه هابيل خوفا على ذاته وكيانه ومصلحته.
ومنذ ذلك العهد صار اﻻستئصال عقيدة بشرية تﻼزم اﻹنسان، وتأخذ أشكال الحقبالتاريخية التي تمر بها البشرية . فما أوغلت البشرية فيما تعده تطورا ماديا منفصماعن تطور القيم ، إﻻ وتفاقمت فيها آفة اﻻستئصال. ولقد كانت الحرب العالمية الثانيةنموذجا لطغيان فكرة اﻻستئصال التي كان وراءها الصراع الكبير حول المادة التيدخلت مرحلة متقدمة من التصنيع المتسارع الوتيرة . ولقد كانت فكرة اﻻستئصالوراء فكرة أسلحة الدمار الشامل التي تسابقت دول الغرب من أجل الحصول عليهالممارسة اﻻستئصال في حق بعضها البعض.
وفكرة اﻻستئصال الناشئة في الغرب المتطور ماديا وجدت التربة الخصبة في العقائدالمنحرفة والضالة الموروثة ، كما هو الشأن بالنسبة للعقيدة الصهيونية التي نشطتعندما بلغت فكرة اﻻستئصال ذروتها خلال الحرب العالمية الثانية . والصهيونيةاستغلت فكرة اﻻستئصال التي كانت النازية تمارسها عليها لتمارس نفس الفكرة علىالعرب والمسلمين .
ومن المؤشرات الدالة على تغلل عقيدة اﻻستئصال عند جنس بشري هو الشعورالمفرط بالذات ، والتعصب لها إلى درجة التقديس والتنزيه ، كما هو حال الصهاينةالذين يعتقدون في أنفسهم علاقة البنوة عز وجل ـ تعالى ﷲ عما يصفون ـ كمايعتقدون اﻻختيار واﻻصطفاء اﻹلهي لهم في ذواتهم مقارنة مع غيرهم من اﻷجناسواﻷعراق. والخوف على هذه الهوية المزيفة التي استفحل تقديسها هي السبب وراءسيطرة عقيدة اﻻستئصال على عقول الصهاينة. ونفس العقدة وجدت، وﻻ زالت عندالصليبيين الذين يعتقدون أيضا القداسة في هويتهم . وبقدر تفاقم الشعور بقداسةالهوية بقدر ما تتفاقم عقيدة اﻻستئصال.
ولقد جنت عقيدة تقديس الهوية على الصليبيين حتى أخرجتهم من دائرة عبادةالمعبود الذي كانوا ينتسبون إليه بعلاقة البنوة إلى دائرة عبادة ذواتهم ، وهو ما أنتجالعقيدة العلمانية عندهم . والعلمانية على غرار العقائد القديمة الصهيونية والصليبيةإنما تقوم على أساس فكرة اﻻستئصال أيضا وﻻ تقبل التعايش مع غيرها . وفكرةاﻻستئصال مفادها كما جاء في بداية المقال أنها تكمن في فكرة الخوف على الذاتمن الذهاب أو الذوبان وعلى المصلحة . ولما كان الذين يحملون فكرة اﻻستئصال فيأعماقهم ﻻ يطيقون العيش مع من يخالفهم أو التعايش معه ، فإنهم ينتكسون ،ويجدون الحل السهل البسيط في ممارسة اﻻستئصال كآلية من آليات الدفاع الخاطئة .ومشكلتهم أنهم عندما يجيزون ﻷنفسهم نهج اﻻستئصال ﻻ يحسبون حسابا لردوداﻷفعال على فعل اﻻستئصال . فالمستأصلون يغيب عن أذهانهم أن ممارسة اﻻستئصالعبارة عن إعﻼن حرب فيها طرفان خاسران بالضرورة . والمتأمل لواقع الحال فيعالم اليوم يﻼحظ جناية عقيدة اﻻستئصال على البشرية بشكل فظيع
فأحداث الحادي عشر شتنبر بغض الطرف عن مصداقية روايتها تعكس عقيدةاﻻستئصال على اعتبار أنها رد فعل استئصالي على فعل استئصالي سابق . فلما كانتالصهيونية والصليبية تمارس اﻻستئصال بشتى أنواعه على المسلمين فقد ظهر فيالمسلمين من يرد على اﻻستئصال بالمثل. وإذا ما صحت وجهة النظر التي تتعامل معأحداث الحادي عشر من شتنبر على أنها أصﻼ طبخة استئصالية من أجل مواصلةاﻻستئصال الذي كان سائدا خلال القرن التاسع عشر والعشرين ، فإنها تؤكد سيادةعقيدة اﻻستئصال في عالم اليوم . وكل الحروب الناشئة على إثر أحداث الحادي عشرمن شتنبر إنما هي ممارسة عقيدة اﻻستئصال بامتياز .
ولقد غابت في عالم اليوم الفلسفات المحذرة من خطورة عقيدة اﻻستئصال ، كما كانشأن الفلسفات سابقا كلما طرأ على البشرية ما يهدد وجودها وكيانها . والعالم اليوممنساق وراء عقيدة اﻻستئصال بشكل رهيب أدهش بعض المهتمين بهذا الموضوع،كما عبر عن ذلك الصحفي المصري محمد حسنين هيكل الذي صدم أمام استئصاليةالرئيس اﻷمريكى براك أوباما الذي ﻻ يجيد في نظر هيكل إﻻ القتل مع أنه قدم نفسهفي بداية وﻻيته على أن وجهته تعايشية وغير استئصالية . ولقد احتار المختصون فيتشخيص أسباب ودوافع الربيع العربي مع العلم أن هذا الربيع هو نتيجة منطقيةلممارسة اﻷنظمة العربية الفاسدة والمستبدة للاستئصال ،حيث مرت على اﻷمةالعربية عقود من السنين لم تعرف سوى اﻻستئصال عقيدة تحكم العالم بدءاباستئصالية الكيان الصهيوني، والكيانات الصليبية المؤيدة له ، وانتهاء باستئصاليةاﻷنظمة العربية الخاضعة للغرب.
ولما كان المستأصلون ﻻ يحسبون حسابا لضحاياهم فإن رموز اﻷنظمة العربيةالمستبدة خرجت عن أطوارها لما خرجت الشوارع العربية تطالب بوجودها المصادرلعقود من السنين . وإذا ما كان اﻻستئصال خلال العقود الطويلة في البﻼد العربية يمارس بأشكال ممنهجة سرية وعلانية أحيانا عن طريق المعتقلات الرهيبة ،والتصفيات الوحشية ، والتدجين فإن اﻷنظمة العربية المستبدة التي كانت تمارس هذااﻻستئصال فقدت السيطرة على أعصابها ، وخرجت من طور اﻻستئصال الممنهج إلىطور اﻻنفلات اﻻستئصالي ، حيث أخرجت الجيوش من ثكناتها ، وكأن اﻷمر يتعلقبحروب استئصالية كبرى بين اﻷمم من أجل أن تستأصل شعوبها بقوة السﻼح .
ولقد كانت هذه اﻷنظمة في غنى عن تجريب اﻻستئصال بهذه الكيفية البشعة لو أنرموزها رحلوا مشكورين، وقنعوا بما كان منهم من استئصال ممنهج في السابق ،ولكنها أبت إلى تجريب آخر ورقة من أوراق اﻻستئصال كما هو شأن اﻷنظمة فيتونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين . فاﻷنظمة العربية المستبدة التياعتادت اﻻستئصال على قدر ما تجده من معارضة ، وكانت في الغالب معارضةمحدودة بفعل قوة وبطش اﻻستئصال ، ذهلت أمام المعارضة الشعبية الهائلة ، فكانﻻ بد أن يكون اﻻستئصال أقوى وأعتى . ومع كل انتفاضة عربية شعبية تجرباﻷنظمة العربية الفاسدة اﻻستئصال قبل غيره.
ألم يستشهد رأس النظام في ليبيا بنموذج اﻻستئصال في روسيا أمام مبنى البرلمان؟ ألم يستشهد بنموذج اﻻستئصال الصهيوني في فلسطين ؟و لقد فعل لانه كان يعتنقعقيدة اﻻستئصال ،ويؤمن بها ، وهي العقيدة السائدة في عالم اليوم . وﻻ زالالنظامان في اليمن وسوريا يراهنان على عقيدة اﻻستئصال بقوة مع تأكد انقلاباﻻستئصال على أصحابه كانقلاب السحر على السحرة . ولقد اختارت اﻷنظمة العربيةالمنهارة اﻻستئصال في حق شعوبها بقوة السلاح، فجنت الفرار(بن علي نموذجاوعبرة) أو المحاكمة (حسني مبارك نموذجا وعبرة)أو القتل مع التنكيل (القذافينموذجا وعبرة).
وﻻ يوجد أبلد من نموذج علي عبد ﷲ صالح الذي لفحته نار اﻻستئصال ، وﻻ زاليراهن على نفس اللعبة .
أما نموذج بشار اﻷسد فقد غرته حماية اﻷنظمة اﻻستئصالية الكبرى التي لوحتبالفيتو ، كما غره أخطر نظام استئصالي يجاوره ، وهو النظام الصفوي الرافضي فيإيران . ولن يستفيق من غروره إﻻ باستئصال يفوق استئصال قرينه في ليبيا بشاعة. أما باقي اﻷنظمة العربية،والتي ﻻ تخلو من استئصال ممنهج ، فلها العبرة في مابلغته غيرها من اﻷنظمة المراهنة على اﻻستئصال، والتي جنت عواقب ما زرعت .
وإذا كانت عقيدة اﻻستئصال في غير صالح البشرية ، فإن عقيدة التعايش والتسامحهي البديل الذي يطرحه دين اﻹسﻼم الذي يأمر الناس كافة في الدخول في السلم . وإذاما زعم أحد أن اﻹسلام يمارس أيضا اﻻستئصال، أقول له إن كل منتسب للاسلامادعاءا يؤمن باﻻستئصال إنما يقيم على نفسه الحجة بالبراءة من هذا الدين ،والخوض فيه خوض ابتداع وانحراف عن الجادة. فاﻹسلام يحاور ويتعايش وﻻيستأصل ﻷنه يؤمن بوجود فريقين في الحياة فريق الضلالة ، وفريق الهداية ، ويأمرالفريق اﻷول بأن يقول للفريق الثاني لكم دينكم ولي ديني ، وﻻ يقول لهم اﻻستئصالبيني وبينكم . وما خاض اﻹسلام الحروب لغاية اﻻستئصال أبدا،وإنما اضطر لخوضهالمنع اﻻستئصال . وشتان بين من يحارب بدافع اﻻستئصال ، وبين من يحارب بدافع دفع اﻻستئصال .
وأخيرا على فلاسفة وحكماء المسلمين اﻻتصال بفلاسفة وحكماء غيرهم من اﻷمملتنبيههم، وإقناعهم بفساد عقيدة اﻻستئصال من أجل إنقاذ العالم من هذه اﻵفةالخطيرة التي تهدد أمنه . وﻻ بد من إعادة هيكلة مجلس اﻷمن لتكون العضوية الدائمةفيه لغير القوى اﻻستئصالية ذات الفيتو ، بل للدول الراشدة المناهضة لعقيدةاﻻستئصال .
وعلى إنسان هذا العصر أن يتعلم ممارسة الحياة بعيدا عن عقيدة أو خلفيةاﻻستئصال في كل المجاﻻت ، وفي كل اﻵفاق . وعلى كل من يحمل رأيا في جمجمتهأن يقر برأي غيره ، ويحاول التعايش معه عوض محاولة استئصاله . والذي يضمنبقاء رأي اﻹنسان هو مقدار حرصه على بقاء رأي غيره إلى جانب رأيه ، وإﻻ أهلكاﻻستئصال الرأي والرأي اﻵخر إذا كان خلفية وعقيدة لهما معا .
حسني مبارك – زين العابدين بنعلي – معمر القذافي – علي صلاح عبد الله و في الطريق بشار الاسد
محمد شركي: من أقر اﻻستئصال في حق غيره كان أول من يجني عواقبه
اترك تعليق