أزمة ثقة
عبد الحفيظ زياني/ حتى لا نسقط في المغالاة ، و من باب تركيز الجهد و الانتباه ، و تحري الدقة وتفادي كل ما من شأنه تشويش الدهن بالابتعاد عن الحقيقة ، فإن بالإمكان القول بأن المؤسسات الموازية تعيش أزمة حقيقية ، مردها بالأساس إلى فقدان الثقة، إذ أن أي عمل مبني على أسس ومنطلقات علمية بحثة ، فإنه من الضروري أن يخلق الانسجام على مستوى تركيبته ووظائفه ، أفاقه و منجزاته ، لدا فإن الحوار والتواصل يقتضي نزع الحواجز والعمل على إيضاح الرؤية ، و بالتالي البحث عن الحلول التي من شأنها ترشيد وحسن تدبير المؤسسات ، بعيدا عن عقليات الصراع والابتعاد عن الخلط المفاهيمي و فوضى الأفكار.
إن المؤسسات السياسية والجمعوية والحقوقية والنقابية ، هي أدوات بناء وتطوير النشاط الفكري، وصنع النخب الفاعلة في إطار السلوك المدني ، وإنتاج الفاعلية الهادفة إلى بناء تنمية مستدامة ، ومن غير ما سلف ذكره لا يمكن مطلقا ضمان وعي الأفراد والجماعات ، وإشراك العنصر البشري ضمن مسلسل النمو و الرقي وخلق التوازن الفعال بين الحقوق و الواجبات .
تعيش هذه المؤسسات في الوقت الراهن خلخلة على مستوى التدبير و الهيكلة ، لأنها لم تعد قادرة على احتواء هموم مجتمعاتها، مما أدى إلى فشلها في توسيع قاعدة منخرطيها ، فبالأحرى تمثيل القوى الشعبية ، أو القاعدة بلغة أكثر تحديدا، لقد باتت جسما غريبا عن المجتمع ، بعيدة كل البعد عن هموم متتبعيها، إنها مهددة بأن تصبح يوما ما فاقدة لشرعيتها ، لتسقط في النزعة الفئوية أو الطائفية .
لعل أدوار هذه الهيئات على اختلاف توجهاتها وميولاتها ترتكز بالأساس على تخليق الشأن العام ، واعتبار العنصر البشري محور اهتماماتها ، لذا فإنه من الضروري إيلاءه الأهمية التي يستحق ضمانا لانخراطه العقلاني و إسهامه في دواليبها التي أصبحت حكرا على فئات بعينها يتبادلون الأدوار والمواقع لفترات مما ساهم بقسط وافر في إحداث القطيعة مع الفئات الشعبية ، فأضحت أزمة الثقة تهدد استمراريتها وتموقعها الجيد ضمن قضايا المجتمع .
يظهر جليا أن أزمة الثقة لها مبرراتها الموضوعية التي جعلتها حجرة عثرة أمام انخراط كل الفئات في العمل الموازي ، فساد العزوف .
حينما ينعدم التواصل في شقه الأساس ، وتغيب الثقة ، تحدث الهوة بين الشأن العام و المبادرات الجمعوية ، السياسية و الحقوقية ، التي تخرجها عن إطارها الأصلي الضامن لمرجعيتها و شرعيتها ، فتصبح لا تعبر سوى عن نفسها.
لأجل صنع سلوك مدني راق ، فقد بات من الضروري محاولة استرجاع الثقة الضائعة ، وإعادة بناء الأليات ، و جعل التواصل وسيلة و مبتغى ، بتكوين النخب وتأهيلها ، لتسهيل انخراطها ، واندماجها في المحيط لتحقيق تنمية فعلية .
اترك تعليق